بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
''عِش ما شئتَ فإنّك ميّت وأحبب مَن شئتَ فإنّك مفارقه واعمل ما شئتَ فإنّك مَجْزِيٌ به''. بهذه الكلمات همس جبريل عليه السّلام في أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى ضوئها علّم رسول الله عُشّاق الجنّة أنّ الدنيا ظلّ زائل وأنّ الآخرة خيرٌ وأبقى حيث أعدّ الله فيها للمؤمنين مَالاَ عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سمِعَت ولاَ خَطَر على قلب بشر، وتلك أمنية كلّ مؤمن أن يُكتب اسمه في قائمة السُّعداء يوم القيامة حيث يُنادى عليهم: ''سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ''.
هل طاعتنا وعبادتنا وسعينا في هذه الدنيا إلاّ من أجل الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار ''وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثتمُوهَا بِمَا كُنتم تعملون''. وهذا ما فقهه ووعاه السّابقون الأوّلون ممّن ربَّاهُم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على مائدة القرآن إذ يصف لهم الجنّة بعد حثّهم على دفع المهور حتّى لكأنها رأي العين مُرَغِّبًا ودالاً على سبل الفوز بها، فلم يترك بابًا من أبواب الخير إلاّ حثّهم على ولوجه، فمَن ولج دخل الجنّة برحمة الله وهو ما جعل أحد السلف يقول: ''ما حلّيت الجنّة لأمّة من الأمم كما حلّيت لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ثمّ لا ترى لها عاشقًا''. أمّا الأوائل فقد عشقوا ونالوا، لقد أدركوا أنّ الدنيا معبر وممر فباعوا الفاني بالباقي فقبل الله بيعتهم حيث مدحَهُم فقال: ''إنّ اللهَ اشْتَرَى من المؤمنِين أنفُسَهُم وأموالَهُم بأنّ لهم الجنّة''.
هكذا كانوا يتسابقون في فعل الخيرات فشحذوا همَمَهُم وحدّدو هدفهم (الجنّة)، فهذا عبد الله بن عباس يأتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأله: ''أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني عن النّار...''. وذاك جابر رضي الله عنه يقول: ''يا رسول الله أرأيت إذا صليتُ المكتوبات وصُمت رمضان... آدخُل الجنّة؟ قال: ''نعم''. وعلى الجنّة كانوا يتسابقون رجالا ونساءً إذ جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي ناطقة باسم النساء فذكرت له ما ميّز الله به الرجال على النساء إذ كتب الجهاد عليهم دون النساء، ممّا جعلهم يسبقونهم في الأجر، ولم تطمئن المرأة حتّى ذكر لها رسول الله ما يعدل ذلك كلّه وهو حسن المعاشرة وطاعتهن لأزواجهن، ولمّا بايَع الأنصار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمعوا شروطه قالوا فما لنا؟ قال: ''لكم الجنّة'' فقالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لرجل: ''كيف تقول في الصّلاة؟'' قال: أتشهّد ثمّ أقول اللّهمّ إنّي أسألك الجنّة وأعوذ بك من النّار، أما إنّي لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''حولها ندندن''، فحول الجنّة يدندن المؤمنون ولكن كل بما يسّر الله تعالى له، فهذا ببر الوالدين وذاك بالصّلاة في وقتها وآخرون بسلامة الصدر من الأحقاد والكل يرجو رحمة الله تعالى